سورة الحاقة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{وانشقت السماء} لنزولِ الملائكةِ {فَهِىَ} أي السماءُ {يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} ضعيفةٌ مسترخيةٌ بعدَمَا كانَتْ محكمةً {والملك} أي الخلقُ المعروفُ بالملكِ {على أَرْجَائِهَا} أي جوانِبِهَا جمعُ رَجَا بالقصرِ أي تنشقُّ السماءُ التي هيَ مساكنُهُم فيلجأونَ إلى أكنافِهَا وحافاتِهَا.
{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ} فوقَ الملائكةِ الذينَ هُم على الأرجاءِ أو فوقَ الثمانيةِ {يَوْمَئِذٍ ثمانية} من الملائكةِ عن النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ هُم اليومَ أربعةٌ فإذا كانَ يومُ القيامةِ أيدهُم الله تعالَى بأربعةٍ آخرينَ فيكونونَ ثمانيةً. ورُوِيَ ثمانيةُ أملاكٍ أرجلهُم في تخومِ الأرضِ السابعةِ والعرشُ فوقَ رؤوسِهِم وهم مُطرقونَ مسبحونَ. وقيل: بعضُهُم على صورةِ الإنسانِ وبعضُهُم على صورةِ الثورِ وبعضُهُم على صورةِ النسرِ. ورُويَ ثمانيةُ أملاكٍ في خَلقْ الأوعالِ ما بينَ أظلافِهَا إلى رُكبِهَا مسيرةُ سبعينَ عاماً. وعن شَهْرِ بنِ حَوشبٍ أربعةٌ منهُم يقولونَ: سبحانك اللهمَّ وبحمدِك لكَ الحمدُ على عفوِكَ بعد قدرَتِكَ، وأربعة يقولونَ سبحانَكَ اللهمَّ وبحمدِك لكَ الحمدُ على حلمِك بعد علمِك. وعنِ الحسنِ الله أعلمُ أثمانيةٌ أم ثمانيةُ آلافٍ وعن الضحَّاكِ ثمانيةُ صفوفٍ لا يعلمُ عددَهُم إلا الله تعالَى. ويجوزُ أنْ يكونَ الثمانيةُ من الروحِ أو من خلقٍ آخرَ. وقيلَ: هو تمثيلٌ لعظمتِهِ تعالَى بما يشاهدُ من أحوالِ السلاطينِ يومَ خروجِهِم على الناسِ للقضاءِ العامِ لكونِهَا أَقْصَى ما يتصورُ من العظمةِ والجلالِ وإلا فشؤونُهُ سبحانَهُ أجلُّ من كلَّ ما يحيطُ بهِ فَلَكُ العبارةِ والإشارةِ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} أي تُسألونَ وتُحاسبونَ، عبِّر عنهُ بذلكَ تشبيهاً لهُ بعرضِ السلطانِ العسكرَ لتعرّفِ أحوالِهِم. رُوِيَ أنَّ في يومِ القيامةِ ثلاثَ عرضاتٍ فأما عرضتانِ فاعتذارٌ واحتجاجٌ وتوبيخٌ وأما الثالثةُ ففيها تنشرُ الكتبُ فيأخذُ الفائزُ كتابَهُ بيمينِهِ والهالكُ بشمالِهِ، وهذا وإنْ كانَ بعدَ النفخةِ الثانيةِ لكنْ لما كانَ اليومُ إسماً لزمانٍ متسعٍ. يقعُ فيهِ النفختانِ والصعقةُ والنشورُ والحسابُ وإدخالُ أهلِ الجنةِ الجنةَ وأهلِ النارِ النارَ. صحَّ جعلُهُ ظرفاً للكُلِّ {لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} حالٌ من مرفوعِ تُعرضونَ أي تُعرضونَ غيرَ خافٍ عليهِ تعالَى سرٌّ من أسرارِكُم قبلَ ذلكَ أيضاً وإنَّما العرضُ لإفشاءِ الحالِ والمبالغةِ في العدلِ، أو غيرِ خافٍ يومئذٍ على الناسِ كقولِهِ تعالَى: {يَوْمَ تبلى السرائر} وقرئ: {يَخْفى} بالياءِ التحتانيةِ {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِيَمِينِهِ} تفصيلٌ لأحكامِ العرضِ {فَيَقُولُ} تبجّحاً وابتهاجاً. {هَاؤُمُ اقرؤا كتابيه} هَا اسمٌ لخُذْ وفيهِ ثلاثُ لُغاتٍ أجودُهُنَّ هاءِ يا رجلُ وهاءِ يا امرأةُ وهاؤُا يا رجلانِ أو امرأتانِ وهاؤُونَ يا رجالُ وهاؤُنَّ يا نسوةُ. ومفعولُهُ محذوفٌ، وكتابَيه مفعولُ اقرؤُوا لأنَّه أقربُ العاملَينِ، ولأنَّه لو كانَ مفعولَ هاؤُمُ لقيلَ اقرؤُه إذِ الأَوْلَى إضمارُهُ حيثُ أمكنَ، والهاءُ فيهِ وفي حسابَيه ومالَيه وسلطانَيه للسكتَ تُثبتُ في الوقفِ وتسقطُ في الوصلِ واستُحبَّ إثباتُهَا لثباتِهَا في الإمامِ.


{إِنّى ظَنَنتُ أَنّى ملاق حِسَابِيَهْ} أي علمتُ، ولعلَّ التعبيرَ عنْهُ بالظنِّ للإشعارِ بأنَّهُ لا يقدحُ في الاعتقادِ ما يهجسُ في النفسِ من الخطراتِ التي لا ينفكُّ عنها العلومُ النظريةُ غالباً. {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} ذاتِ رِضَا على النسبةِ بالصيغةِ كما يقالُ دارعٌ في النسبةِ بالحرفِ أو جُعل لها مجازاً وهو لصاحِبِهَا وذلكَ لكونِهَا صافيةً عن الشوائبِ دائمةً مقرونةً بالتعظيمِ. {فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} مرتفعةِ المكانِ لأنَّها في السماءِ أو الدرجاتِ أو الأبنيةِ والأشجارِ {قُطُوفُهَا} جمعُ قِطْفٍ وهُو ما يُجتَنَى بسرعةٍ والقَطْفُ بالفتحِ مصدرٌ. {دَانِيَةٌ} يتناولُهَا القاعدُ. {كُلُواْ واشربوا} بإضمارِ القولِ، والجمعُ باعتبارِ المَعْنَى {هَنِيئَاً} أكلاً وشرباً هنيئاً أو هنئتُم هنيئاً. {بِمَا أَسْلَفْتُمْ} بمقابلةِ ما قدَّمتُم من الأعمالِ الصالحةِ {فِى الأيام الخالية} أي الماضيةِ في الدُّنيا، وعن مجاهدٍ أيامُ الصيامِ. ورُوِيَ يقولُ الله تعالَى: «يا أوليائِي طالما نظرتُ إليكُم في الدُّنيا وقد قلصتْ شفاهُكُم عن الأشربةِ وغارتْ أعينُكُم وخَمُصتْ بطونُكُم فكونُوا اليومَ في نعيمِكُم وكُلُوا واشربُوا» الآيةَ. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه بِشِمَالِهِ} ورَأَى ما فيهِ من قبائحِ الأعمالِ {فَيَقُولُ ياليتنى لَمْ أُوتَ كتابيه وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} لما شاهدَ من سُوءِ العاقبةِ {ياليتها} يا ليتَ الموتةَ التي مِتُّها {كَانَتِ القاضية} أي القاطعةَ لأمرِي ولم أُبعثْ بعدَها، ولم ألقَ ما أَلقَى فضميرُ ليتِهَا للموتةِ، ويجوزُ أن يكونَ لِمَا شاهدَهُ من الحالةِ أي يا ليتَ هذه الحالةَ كانتِ الموتةَ التي قضتْ عليَّ لما أنَّهُ وجدَها أمرَّ من الموتَ فتمنَّاهُ عندَها وقد جُوِّزَ أن يكونَ للحياةِ الدُّنيا أيْ يا ليتَ الحياةَ الدُّنيا كانتِ الموتةَ ولم أُخلقْ حياً.


{مَا أغنى عَنّى مَالِيَهْ} ما لي من المالِ والأتباعِ على أنَّ ما نافيةٌ والمفعولُ محذوفٌ أو استفهاميةٌ للإنكارِ أيْ أيُّ شيءٍ أغْنَى عنِّي ما كانَ لي من اليسارِ. {هَلَكَ عَنّى سلطانيه} أي مُلكِي وتسلُّطِي على الناسِ أو حُجتي التي كنتُ أحتجُّ بها في الدُّنيا أو تسلطي على القُوَى والآلاتِ فعجزتُ عن استعمالِهَا في العِبَاداتِ.
{خُذُوهُ} حكايةٌ لما يقولُهُ الله تعالَى يومئذٍ لخزنةِ النارِ {فَغُلُّوهُ} أي شُدوه بالأغلالِ {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} أي لا تُصلُّوه إلا الجحيمَ وهي النارُ العظيمةُ ليكونَ الجزاءُ على وفقِ المعصيةِ حيثُ كانَ يتعاظمُ على الناسِ {ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا} أي طولُهَا {سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ} فأدخلُوه فيها بأنْ تلفّوهَا على جسدِهِ فهو فيما بينَهَا مرهقٌ لا يستطيعُ حَراكاً ما وتقديمُ السلسلةِ كتقديمِ الجحيمِ للدلالةِ على الاختصاصِ والاهتمامِ بذكرِ ألوانِ ما يعذبُ بهِ وثمَّ لتفاوتِ ما بينَ الغُلِّ والتصليةِ وما بينهُمَا وبينَ السلكِ في السلسلةِ في الشدَّةِ. {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم} تعليلٌ بطريقِ الاستئنافِ التحقيقيِّ ووصفُه تعالَى بالعِظَمِ للإيذانِ بأنَّه المُستحقُّ للعظمةِ فحسبُ، فمَنْ نسبَها إلى نفسِهِ استحقَّ أعظمَ العُقوباتِ {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ولا يحثُّ على بذلِ طعامِهِ أوْ عَلَى إطعامِهِ فضلاً أنْ يبذلَ مِن مالِهِ، وقيلَ ذُكِرَ الحضُّ للتنبيهِ على أنَّ تاركَ الحضِّ بهذهِ المنزلةِ فما ظنُّكَ بتاركِ الفعلِ، وفيهِ دلالةٌ على أنَّ الكفارَ مخاطبونَ بالفروعِ في حقِّ المُؤاخذةِ. قالُوا تخصيصُ الأمرينِ بالذكرِ لما أنَّ أقبحَ العقائدِ الكفرُ وأشنعَ الرذائلِ البخلُ وَقَسوةُ القلبِ. {فَلَيْسَ لَهُ اليوم هاهنا حَمِيمٌ} أي قريبٌ يَحميهِ ويدفعُ عنْهُ ويحزَنُ عليهِ لأنَّ أولياءَهُ يتحامونَهُ ويُفرُّونَ منْهُ {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} أي من غُسالةِ أهلِ النارِ وصديدِهِم فِعلين من الغُسْلِ.

1 | 2 | 3